لماذا أراد أئمة أهل البيت (ع) أن نقيم عاشوراء في كل بلد وفي كل جيل؟ حتى أصبحت قاعدة أساسية من قواعد حركتنا الإسلامية في خط أهل البيت (ع)، بحيث لو ذهبت إلى شرق الأرض وغربها لرأيت ذكرى عاشوراء تقام وإن بشكل متنوع. لماذا إصرار أئمة أهل البيت (ع) على الخط العاشورائي في العلاقة مع الإمام الحسين (ع)؟ لقد أرادوا لنا ذلك لأن هذا الخط هو خط الرفض، الرفض للوثنية وللانحراف وللجاهلية وللظلم ولكل الذين يستعبدون وينهبون الناس، بكلمة واحدة ولكل أعداء الله، ولكل المناهج التي تبتعد عن الله. وهذا الخط هو خط الموالاة لكل أولياء الله، ولكل المناهج التي تنطلق من الله، وتتحرك في خط الله الذي انطلق فيه الإسلام من خلال رسول الله (ص)، وانطلق فيه علي بن أبي طالب (ع) والأئمة من خلاله. على أن هذا الخط يحتاج إلى قوة حركية تهز السائرين عليه في كل جيل وفي كل وقت، ليقول للناس كلهم: إن الدماء التي سالت في كربلاء هي سر شخصيتكم التي ركزت القاعدة الإسلامية المنطلقة في خط الله ورسوله (ص) وأوليائه من أئمة أهل البيت (ع). لذلك تذكروا دماء الحسين، لتتذكروا الإسلام الذي انطلق الحسين (ع) في نهضته من اجل التضحية في سبيله... تذكروا كل الشهداء من الأطفال والرضع، من الشباب والشيوخ، لتعرفوا أن التزامهم الإيماني بأهل البيت (ع) لم يكن مجاناً، وإنما ثمنه كان دم الحسين (ع) ودم أولاده وأنصاره وأهل بيته، بحيث تبقى هذه الدماء النهر الذي يتدفق ويتفجر في كل مرحلة تشعرون فيها بأن للحرية قضية وللوحدة ضرورة في صفوفكم. لقد كان أصحاب الإمام الحسين (ع) من عشائر تتوزع على مجمل الجزيرة العربية، وكانوا - قبل أن يجتمعوا في كربلاء - متفرقين حتى في خطوطهم وانتماءاتهم السياسية. ولكن صوت الحسين (ع) هو الذي دعاهم وربطهم بالحقيقة الواحدة وبالرسالة الواحدة، فتوحدوا بالحسين، واجتمعوا على إسمه حتى بعد أن جعلهم (ع) في حل من بيعته، لكنهم شعروا أن البيعة ليست الأمر الذي يربطهم به، إنما الرسالة التي يؤمنون بها من خلال قيادة الإمام الحسين (ع)، والخط الذي يتحركون فيه على أساس إمامته. إنهم توحدوا بالحسين (ع)، وتوحدت مواقفهم ودمائهم وكلماتهم، وتوحد الصدق في عهدهم، ولذلك كان الإمام الحسين (ع) عندما يستأذنه أي شخص من أصحابه يتلو هذه الآية: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» (الأحزاب/23). كأنه يريد أن يقول لهم: يا أصحابي إن وحدتكم هي وحدة الصادقين مع الله في عهدهم له. ماذا طرح الإمام الحسين من شعارات في كربلاء: 1. «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». 2. «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد». 3. «ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين اثنتين: السلة والذلة، وهيهات له ذلك، هيهات منا الذلة، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون». 4. «وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة وع الظالمين إلا برماً». هذه هي بعض شعاراته، إلا أنها ليست شعارات المرحلة التي كان يعيش فيها، لتكون المسألة مجرد مسألة غارقة في التاريخ، لكنها شعارات الحياة كلها، وشعارات الإسلام في كل مواقعه. من منّا لا يلمح الإفساد والفساد السياسي على مستوى الحاكم والمحكوم وحركة الحكم. من منّا لا يرى الإفساد والفساد على مستوى الاستكبار العالمي، والإقليمي والمحلي في كل ما يريده الاستكبار من مصادرة لقضايانا المصيرية على مستوى الأمة وعلى مستوى البلاد؟ من منّا لا يجد أن الواقع يعمل على إفساد الأخلاق الفردية والاجتماعية في داخل الفرد المسلم والمجتمع والأمة المسلمة، من خلال من يريدون المتاجرة بالأخلاق؟ من منّا لم يرفض الواقع الذي يترك فيه الكثيرون من المسلمين عبادة الله، في الوقت الذي يقولون فيه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، دون أن يصلّوا أو يصوموا أو يحجوا لبيت ربهم، ودون أن يعملوا على إخراج الحق المعلوم الذي فرضه ربهم للسائل والمحروم في أموالهم وممتلكاتهم؟ من منّا لا يرفض هذا الواقع الذي ترك فيه المسلمون المعروف في العبادة والصدق والأمانة والعفة والوفاء وما إلى ذلك من أصول الأخلاق الإسلامية؟ من منّا لا يرفض الكثير من مظاهر الانحراف في حياتنا، والعلاقات الممزقة، والفتن التي تتحرك على مستوى الأفراد والعوائل والأحزاب والطوائف الإسلامية وما إلى ذلك؟ إن مثل تلك المشاكل قد تكون أخطر من المشاكل التي عاشها الإمام الحسين (ع)، وقال فيها: خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. كانت المشكلة السياسية في زمن الإمام الحسين (ع) هي مشكلة الحاكم المنحرف الذي يحاول إعطاء حكمه صورة الإسلام، دون أن يمثل في عمقه حكم الإسلام، أما في واقعنا الحاضر، فنلتقي بالحكام الذين ينتمون إلى الإسلام، ولكنهم يرفضون إعطاء حكمهم حتى صورة الإسلام في الدول الإسلامية. فالإسلام فيها يتمثل غالباً في مناسبات الأعياد والعطل الإسلامية، أما القوانين فهي قوانين (الكفر) وما إلى ذلك، وما يستحدثه الناس في مجالسهم النيابية. وإذا تحدث إنسان عن حكم الإسلام، وصف بأنه متطرف، وعلامة تطرفه أنه يريد تطبيق الشريعة الإسلامية والقوانين الشرعية. هذا متزمت، وعلامة تزمته أنه لا يريد لنوادي القمار، ولا لحانات الخمور، ولا لأماكن البغاء أن تأخذ حريتها. |
ملاحظة: |
[ الصفحة الرئيسية | البريد | دفتر الزوار ] |
مجلة فدك - العدد الأول - مايو 1999 |